لقد باتت عبارة «تعليق الدوام» أكثر العبارات التي تتسبب بحالة من الفرح والسرور لدى طلبة المدارس والجامعات والعاملين في الدوائر والمؤسسات، ففي أحد المشاهدات لحظة إعلان تعليق الدوام بسبب الظروف الجوية في احدى الجامعات انطلق الطلبة والعاملون بشكل جنوني خارج قاعات الصف والمكاتب وكأنهم كانوا في سجون يعيشون فيها أوقاتاً كئيبة.
تساؤلات مهمة تثيرها هذه الظاهرة حول هل يستمتع الطلبة بأوقاتهم في أثناء وجودهم في المدارس والجامعات والموظفون في دوائرهم وأماكن عملهم، وهل دوافع العمل والإنجاز لدى معظم الطلبة والموظفين عند حدود تجعلنا مطمئنين على مستقبل مؤسسات التعليم ودوائر العمل العام في الدولة، وقد يكون السؤال الأهم ماذا ينبغي علينا العمل لتعديل اتجاهات ودوافع الطلبة والعاملين نحو العمل، وكيف نجعلهم يذهبون لمدارسهم وجامعاتهم ووظائفهم برغبة واندفاع، وجعلهم سعداء وحريصين على الإنجاز وبذل طاقاتهم في التعلم والعمل.
علينا إدراك أنَّ التغيير هو سمة هذا العصر، حيث نشهد مستجدات وتحولات متسارعة تؤدي إلى التأثير على حياة الناس بكل تفاصيلها، حتى أن التأثير يطال مشاعرهم واهتماماتهم، وطبيعة تفكيرهم، وعلاقتهم بكل ما يحيط بهم، وقد تكون فترة انتشار فيروس كورونا وما رافقها من تغيرات في طليعة الأحداث التي سرعت موجة التغيير في المجتمعات وفرضت أنماط جديدة في العمل والتعليم، كالتعليم عن بعد، والعمل من المنزل، والتسوق الإلكتروني، وظهور مهارات حياتية جديدة.
كما أن أكثر ما يتصف به واقع حياة الناس اليوم هو حجم الإنشغالات الكبير، وتعدد الإرتباطات، وتشتت الذهن، مما يؤثر سلباً على الإنجاز والعمل والعلاقات السائدة في بيئة العمل، الشيء الذي يتطلب الإستجابة للتغيرات والتحولات والتفكير مليا من خلال مسارين أحدهما ينتج تعديلات على أفكارنا وممارساتنا للتكيف مع المستجدات، والمسار الآخر يقاوم التغيير الذي يؤثر سلباً في ثقافة المجتمعات ويعطل مصالحها.
وفي البدء وبموازاة تنفيذ خطط التحديث والتطوير محلياً يمكن دراسة أسباب ضعف ارتباط واندماج الطلبة والعاملين بمدارسهم وجامعاتهم ومؤسساتهم، وما يمكن عمله لتوطيد انتمائهم وصلتهم بها وتعزيز إنجازاتهم وجودة مهامهم، وقد بدأت بعض الدول والحكومات بدراسة أفكار وحلول جديدة سواء في إدارة التعليم في المدارس والجامعات أو في دوائر العمل العام، كتكثيف الفعاليات الترفيهية والاجتماعية في بيئة العمل، وتنويع الحوافز، وإشراك الجميع في حل المشكلات وأتخاذ القرارات، وتطبيق سياسة الدوام المرن، وتعدد أشكال المهام والوظائف وطرق تنفيذها، ولقد بدأت بعض الدول في تقليص الدوام إلى أربعة أيام في الأسبوع، وغيرها قلص عدد ساعات العمل خلال اليوم.
السعادة المهنية وبيئة العمل والتعلم الإيجابية والتعلم الممتع جميعها ضمانات أكيدة لنجاح مؤسسات الدولة وتحقيق أهدافها، وبالتالي تعظيم الإنجازات والتنمية، وحلول لمشكلات عديدة قد تظهر، كما أن جودة الحياة المهنية والتعلم الممتع أستراتيجية مهمة لمواجهة التحديات والمخاطر التي تواجه المجتمع ومؤسساته، فهل نفكر من جديد كيف نجعل مدارسنا وجامعاتنا ومؤسساتنا أماكن ذات بهجة وسعادة، فيصبح الطلبة والعاملين يبحثون عن السعادة بمزيد من العمل وليس بالسعي للتسرب والتراخي والتطلع لتعليق الدوام.
